«كابورك يعقوبيان» .. أخطر جاسوس مصرى فى قلب الجيش الإسرائيلى
الخميس أكتوبر 07, 2010 4:32 pm
تصوير المصري اليوم
Prev Next Pause Play
فىالبدء كان «رأفت الهجان»، استقر فى «إسرائيل» بهوية جديدة، واسم جديد «جاكبيتون»، وصار منزله قِبلة لقادة «الدولة» ونخبة تل أبيب. وكان من الطبيعىأن تحاول المخابرات المصرية إعادة إنتاج هذا النجاح العريض. فتل أبيبمدينة تعشق «المهاجرين الجدد»، والهجان حقق نجاحا فاق كل التوقعات. لكنعملية اليوم التالى كانت أكثر طموحا، لذلك تطلبت شابا مصريا ذكيا..ومغامرا، لا يقبل فقط بفكرة زرعه فى إسرائيل، ولكن يقبل بتجربة التجنيد فى«الجيش الإسرائيلى»، على أن يضع نصب عينيه الانضمام لوحدة القوات الخاصة،أو سلاح الاستخبارات الحربية. ساعتها ستكون ضربة فى الصميم.
لم يكن المطلوب أن يقضى جل عمره داخل«الجيش».. العملية محدودة الوقت.. والأهداف. مدة التجنيد ثلاث سنوات. يكفىسنة واحدة، ينخرط فيها الشاب المصرى فى تكوينات جيش الاحتلال.. يخوضالتجربة بنفسه، يضع قدميه على أول الطريق، مكتب التجنيد (ليشكات جِيِّوس-بالعبرية)، ثم وحدة المستجدين، يتلمس مشاعر الجنود عن قرب، يتعامل معالدبابات ومكوناتها بنفسه، يلقى بجسده داخل السيارات المدرعة. يسجل بعدسةالكاميرا التى لا تفارقه كل ما يراه.. وهكذا كان رأفت الهجان فى البدء.و«كابورك يعقوبيان» فى اليوم التالى حين صعد على ظهر السفينة «يَمِيت»التى نقلته لـ«إسرائيل»، ليبدأ واحدة من أخطر عمليات المخابرات المصرية فىالعمق الإسرائيلى.
جاسوسنا فى «جيش الاحتلال الإسرائيلى»إسحق كاوتشوك، ولد فى مصر باسم «كابورك يعقوبيان»، مصرى أرمنى الأصل، ابنبلد، بمصطلحات أواخر الثلاثينيات، وأوائل الأربعينيات. حصل على الابتدائيةبتفوق، ثم البكالوريا.. وبات على أبواب الجامعة فى مجتمع «كوزموبوليتانى»يفيض بجاليات أجنبية تعشق مصر. فى عيد ميلاده العشرين، توفى والده، وتحملعبء إعالة أمه الفقيرة. قرر الشاب الوسيم «كابورك» تحويل هوايته إلى مهنةواحتراف. احتضن كاميرته وتجول فى الحدائق يلتقط الصور للعشاق، وأبناءالطبقة الوسطى. كان العمل شاقا، والرزق شحيحا، وكابورك يحب الحياة، ويقبلعلى ملذاتها.. خلب عقول من حوله بوسامته، ولغته العربية المكسرة. عانىماديا، فتورط فى عمليات نصب مخلوطة بخفة دم «المحتال الأرمنى». فجأة وجدنفسه يقضى عقوبة ثلاثة أشهر حبسا فى أحد السجون المصرية. لكن فى ديسمبر1959، بعد مُضى ثلاثين يوما فى السجن، طرق باب زنزانته الانفرادية رجلأربعينى.. يعرض عليه صفقة: «عفا الله عما سلف، ونؤمن مستقبلك، ومستقبلأسرتك مقابل العمل لصالح المخابرات العامة المصرية». وافق «يعقوبيان»فورا، وبلا تردد، فقد اشتاق للحرية.
كان «يعقوبيان» شخصا نموذجيا بالنسبة لأىضابط تشغيل يبحث عن عميل لزرعه فى «مجتمع هجرة». لديه موهبة طبيعية فىتعلم اللغات، قبل أن يتم الثانية والعشرين من عمره أتقن الإنجليزية،والفرنسية، والعربية، والإسبانية، والتركية. قصير القامة، (1.65 سم)،نحيف، عريض الوجه.. شعره بنى وعيناه صافيتان باللون نفسه. استغرق إعدادهعاما كاملا، فى منزل آمن بالقاهرة. دربه الخبراء على أساليب العمل السرى،والتخلص من المراقبة، واستعمال الحبر السرى، وتصغير الصور، وجمعالمعلومات، وتحليلها. لكن الجهد الأكبر تركز على تأهيله لتقمص شخصية يهودىمصرى، وما كان سهلا مع «رفعت الجمال» المصرى المسلم، كان مرهقا بالنسبةلـ«يعقوبيان» المصرى الأرمنى. فكان من الضرورى إخضاعه لعملية ختان، فى أحدمستشفيات القاهرة. فاليهود يختنون ذكورهم بعد مرور سبعة أيام على مولدهم..وهو طقس يحرصون على تنفيذه حتى لو وافق يوم السبت الذى يحظر على اليهودىالقيام بأى عمل فيه. فالختان فى اليهودية هو دليل الولاء لعقيدة «إسرائيل».
وقامت خطة زرع يعقوبيان فى إسرائيل علىفكرة السهل الممتنع، كان من المقرر أن يتقمص شخصية يهودى متدين حتى يكتسبثقة من سيحيطون به فى «إسرائيل» بسرعة، ويحظى باحترامهم. ولمعت فكرةتدريبه على يدى يهودى مصرى، لكن كيف تضمن المخابرات المصرية ولاء يهودىمصرى فى هذه الفترة التى نشطت فيها الحركة الصهيونية فى القاهرة!! وصارالحل الوحيد أن يتعلم «يعقوبيان» بنفسه كل ما يتصل باليهودية. يتردد أولاعلى المعبد اليهودى فى شارع عدلى «بوابة السماء». يلتقط العادات والتقاليدوالطقوس الدينية اليهودية، ويمارسها، يشارك فى الأعياد والصلوات، ويعيشنمط الحياة اليهودية 24 ساعة يوميا. ويقضى الليل فى قراءة كتب وصحف عن«إسرائيل». وفى تلك الأثناء كان الخبراء المصريون قد أوشكوا على الانتهاءمن إعداد الأوراق والوثائق اللازمة فى مهمته الجديدة.
طبقا للخطة الموضوعة، كان على «يعقوبيان»أن يقدم نفسه بوصفه ابنا لعائلة يهودية تركية لجأت إلى القاهرة مناليونان. كُتب فى أوراقه أنه من مواليد سالونيكا، عام 1935، ويدعى «إسحقكاوتشوك». مرت أسرته بظروف عصيبة فى موطنها الأصلى، بعد أن هجر الأب زوجتهوابنه، إلى مكان غير معلوم. فقررت الأم الهجرة بصحبة ابنها إلى مصر،وتوفيت، ودفنت فى مقابر اليهود بالبساتين. ولتأكيد القصة كان «المصوراتىيعقوبيان» يسحب من جيب سترته صورة قبر أمه ويبكى كثيرا متأثرا بلوعةالفراق، حتى يُبكى من حوله!! وزيادة فى الاطمئنان حمل «يعقوبيان» فى جيبسترته أوراق هوية صادرة عن الطائفة اليهودية بالقاهرة. زودته بها الوحدةالفنية التابعة للمخابرات، ورغم دقة التزييف وإتقانه، حمل «كاوتشوك» صورةضوئية للوثائق حتى يصبح كشف الأختام المزورة ضربا من المستحيلات.
وبعد مرور تسعة أشهر، وفى خريف 1960، حصل«إسحق كاوتشوك» على «شهادة لاجئ» من وكالة اللاجئين التابعة للأممالمتحدة. حملها، وتوجه إلى قنصلية البرازيل، طالباً تصريح هجرة. وكاناختيار المخابرات المصرية للبرازيل كـ«دولة معبر» فى منتهى الذكاء. بعد أنشددت الحكومة المصرية القيود على هجرة اليهود إلى أوروبا اعتبارا من1960،وبدت الهجرة من مصر إلى البرازيل مقنعة وأكثر منطقية. وفى مارس 1961 سافر«يعقوبيان» بحراً بهويته الجديدة من الإسكندرية إلى ميناء جنوا بإيطاليا،ثم صعد إلى السفينة الإسبانية (كافاسان روكى) المبحرة إلى البرازيل.
وعلى متن السفينة التقى «يعقوبيان» مع«إيلى أرجمان»، شاب «إسرائيلى»، فى الثلاثين من عمره، من كيبوتس «بارورحيال» غرب النقب. كان متجها برفقة زوجته وابنتيه إلى البرازيل فى زيارةعائلية. «أرجمان» شاب رومانسى، يعيش حياة جماعية فى «الكيبوتس»، وبرغمتفاخره بأنه علمانى، إلا أن بداخله يهوديا عميق التدين. انبهر فورابـ«إسحق كاوتشوك» الهارب من القاهرة.. وبدا له أن «كاوتشوك» تجسيد حىلخروج بنى إسرائيل من مصر فى العصور القديمة!! وأن بقاءه فى البرازيل هوفترة التيه التى يجب أن تنتهى بأسرع ما يمكن!! وزاد تعاطفه، عندما بدأ«يعقوبيان» يبكى اليتم، وأمه المتوفاة، وكونه «مقطوعا من شجرة»، تعرضللاضطهاد والتعذيب فى مصر.
وسرعان ما نشأت علاقة حميمة بين «اللاجئاليهودى» والأسرة «الإسرائيلية». لم يفترقوا طوال الرحلة التى امتدتأسبوعين فى عرض البحر، يأكلان معا، يشربان معا، يسهران. توطدت العلاقة،فمد «يعقوبيان» يده فى الحقيبة وأخرج ألبوم الصور، ليرى «أرجمان» صورةلقبر أمه. وانخرط الشاب «الإسرائيلى» فى بكاء شديد.. وهنا تأكد «كاوتشوك»أن هويته الجديدة وقصته المحبوكة تعملان كدقات ساعة سويسرية.. ولم يتبقسوى تحديد ساعة الصفر.
وبدأ «أرجمان» يعرض خدماته مخلصا، وأدرككاوتشوك أن لقاء الصدفة الذى جمعه مع «أرجمان» يبشّر بأن الحظ حليفه، وأنفرصه فى الوصول إلى «إسرائيل»، دون أن يشتبه به ضباط «الشاباك» جيدةللغاية.. لم يطلب «كاوتشوك» من عائلة «أرجمان» مرافقتهم إلى تل أبيب، بلأكد رغبته فى الاستقرار بأمريكا اللاتينية، وتوقع أن «أرجمان» سيدعوهللهجرة إن آجلا أم عاجلا، وصدق حدسه، لكن المفارقة أن الشاب «الإسرائيلى»انتهز فرصة احتفال اليهود على متن السفينة بالعيد الثالث عشر لقيام«إسرائيل»، وأخذ يلحّ على الجاسوس المصرى بانفعال وحماس شديد لكى يسافرمعه إلى «إسرائيل»، وظل «صاحبنا» يتمنّع، ويتهرب من الموافقة!!
فور الوصول إلى البرازيل ودعت أسرة«أرجمان» صديقها الجديد بانفعال بالغ. واستمرت اللقاءات بينهم طوالالشهرين اللذين مكثت فيهما عائلة «أرجمان» فى «ريو دى جانيرو». أخذ«أرجمان» يحكى للشاب اليهودى النازح من مصر، الذى أطلق عليه سيدنا موسى(موشيه ربينو) عن تاريخ الصهيونية.. والاستيطان اليهودى فى فلسطين..واحتياج «إسرائيل» لسواعد الشباب. وبين حكاية وأخرى يلمح له ويشجعه علىالهجرة. ثم عرض عليه تعريفه بمسؤولى الوكالة اليهودية، ليشرحوا له حقوقهكمواطن وفرص نجاحه كـ«مهاجر». تظاهر «يعقوبيان» بالتردد، حتى استجاب فىالنهاية تحت الضغط والإلحاح. وبعد شهرين فى البرازيل حانت ساعة الفراقالتى تذكرها «أرجمان» فى التحقيقات جيدا. «كانت لحظة صعبة للغاية، سيطرتعلى، وعلىّ أسرتى، مشاعر حزن عميق. جاء لتوديعنا فى الميناء، اشترى هدايالابنتى.. ولم نتركه حتى وعدنا بأنه سيحضر لـ«إسرائيل»، إن لم تكن هجرةدائمة، فعلى الأقل زيارة طويلة.
بعد سفر عائلة «أرجمان»، التقى«يعقوبيان» بسالم عزيز السعيد، الذى عرف فى «ريودى جانيرو» بأنه الملحقالتجارى المصرى، لكنه فى الحقيقة كان ضابط المخابرات بالسفارة. وبناء علىتعليماته انتقل «يعقوبيان» للإقامة فى «سان باولو»، وهناك قام بخطوة مهمة.حصل من السلطات المحلية على بطاقة برازيلية سليمة، تفيد خانة الديانة فيهابأنه «يهودى»، وبعد نجاحه عاد إلى العاصمة والتحق بالعمل فى استديو تصوير.
وفى نهاية 1961، توجه «كاوتشوك» إلىالوكالة اليهودية.. قدم طلب «هجرة».. لم تستغرق الإجراءات وقتا طويلا.وأبحر «كاوتشوك» من البرازيل إلى جنوا، حيث التقى مع ضابط تجنيده الذى وصلخصيصا من القاهرة، وحضر المقابلة سالم السعيد. لقّنوه التعليمات والأوامرالأخيرة.. وراجعوا معه الخطوات التى سيقوم بها فى «إسرائيل» لتثبيت وضعه.أكدوا عليه أن يعمل ببطء، وبالتدريج، وأن يندمج فى المجتمع أولا، ولا يبدأمهامه قبل تلقى الأوامر. كانت الخطة واضحة ومحكمة.. «يعقوبيان» سيصل إلى«إسرائيل» وهو فى سن التجنيد، سيتم ضمه «للجيش الإسرائيلى»، ولذلك كانتالتعليمات الأخيرة فى «جنوا» تؤكد أفضلية الانضمام للقوات الخاصة، أو شعبةالاستخبارات الحربية التى قد تفضله لأنه يجيد العربية، أو سلاح المدرعات.
منتصف ديسمبر 1961، بدأت السفينة«يَمِيت» تبحر من جنوا، إلى ميناء حيفا، وعلى متنها «إسحق كاوتشوك» البالغمن العمر 24 عاما، لكن أوراقه تفيد بأنه فى الـ 27. أنهى «يعقوبيان»إجراءات الخروج من الميناء سريعا، وبدأت رحلة البحث عن أقرب هاتف، اتصلبصديقه.. «إيلى أرجمان». كان اللقاء بينهما فى «الكيبوتس» (مستعمرةتعاونية) مشحونا بالعواطف، كأنهما صديقان منذ الطفولة. اقترح «أرجمان»استضافته فى «الكيبوتس». وألحّ عليه، إنك: وحيد، بلا أقارب، أو أصدقاءهنا، فوافق على العرض. وبناء على توصيات «أرجمان» رتبت له «الوكالةاليهودية» حجرة معيشة مشتركة، ومدرسة لتعلم العبرية، فى كيبوتس «دوروت»المجاور. لكن «كاوتشوك» لم يستمر طويلا، اشتكى من كونه لا يستطيع أن يناممع شخص لا يعرفه فى نفس الغرفة. طلب الانتقال إلى مقر سكن آخر لكن فى نفسالمنطقة.. وكان الهدف تنفيذ خطة المخابرات المصرية.. التى أكدت على أنيبقى بالقرب من قطاع غزة. حتى يتمكنوا من تخليصه فى أوقات الطوارئ. كما أنهذا القرب الجغرافى يسهل نقل الرسائل بسرعة كبيرة نسبياً، بعد أن تم تحديدنقاط الإرسال على الحدود بين «إسرائيل» والقطاع.
وهنا تدخل «إيلى أرجمان» مجددا، استخدمنفوذه لدى الوكالة حتى عثروا لـ«يعقوبيان» على مسكن ومدرسة فى كيبوتس«نجفا». ونجح «يعقوبيان» بدوره فى اكتساب ثقة كل من حوله، حتى إن سكرتيرالكيبوتس «تسيفى لوفلينير» يقول إنه: «كان يعمل بإخلاص، وكان يدرس العبريةفى الصباح الباكر، ثم يقضى بقية النهار فى العمل بالمزرعة الجماعية». وصارمحبوبا من كل زملائه فى المستعمرة، الذين أشفقوا عليه بعد أن انتشرت قصةيتمه، ووفاة أمه. وساعده فى الاندماج إتقانه خمس لغات حية، زادوا بعدتكليفه بالمهمة إلى سبع حيث أتقن البرتغالية فى البرازيل، والعبرية تعلمهافى مصر، لكنه لم يعترف بذلك أبدا. «يهوديت هارئيل» مدرسته فى معهد تعليمالعبرية كانت تظنه عازفا عن التعليم، وكل همه تصوير بنات الكيبوتسبكاميرته. وكانت كاميرا متطورة للغاية، بمعايير هذه الفترة. حملمستلزماتها، وعدساتها، دائما فى حقيبته. وإلى جوارها صور مهزوزة، تخلقانطباعا بأنه مصور هاوٍ، وليس مصورا محترفا.
فى «الكيبوتس» الجديد، وقعت فى غرامهفتاة فى الـ 17 من عمرها، مات عنها أبوها فى إحدى هجمات الجيش المصرى علىالقوات الصهيونية عام 48. واعترض أفراد عائلتها على هذه العلاقة، حتىعندما أعلنا رغبتهما فى الاقتران. وفى عام 1962، فاتحه المسؤولون فى«الكيبوتس» بخصوص مستقبله، فى البداية أخبرهم بأنه يفكر فى عضويةالكيبوتس، ثم أوضح أنه ينوى فتح أستديو، وفى النهاية حصد إعجابهم بقرارالتجنيد فى صفوف الجيش.
قبل الانخراط فى الجيش، توجه «كاوتشوك»إلى الوكالة اليهودية وطلب معونة مالية للحصول على سكن، فقدمت له الوكالة30 ليرة، ووجهته لشركة «عميدار» الإسكان، حيث وقع عقد إيجار شقة مشتركة معمهاجر يهودى من المغرب. وحصل الاثنان على الشقة رقم 1/689 بمدينة عسقلان،التى لا تبعد عن الحدود مع غزة سوى سبعة كيلومترات، وتفصلها عن القطاع بعضالحقول والتلال الرملية. فى نوفمبر 1962، تجند «كاوتشوك»، واقترحوا عليهفى البداية الانضمام لدورة تأهيل الضباط.
لكن وفقا لنصيحة المخابرات، طلبالانضمام لسلاح المدرعات ولكن لحسن الحظ أصبح عضواً فى سلاح آخر، أنهىدورة التدريب الخاصة بسلاح النقل فى (بيت نبالا) بالقرب من مطار اللد،وهناك واصل هواية التصوير، لم تفارقه الكاميرا. صور الجنود.. الأسلحة..الدبابات، الطائرات، الصواريخ، السيارات المدرعة، أجهزة الرادار، حتىالمبانى والمعدات. كان يصور زملاءه للذكرى، وفى الخلفية آليات الجيشالإسرائيلى، ومدافعه. وفى نهاية التدريب حدث ما لم يكن متوقعا لدى أكثرالمتفائلين فى القاهرة. طُلب «يعقوبيان» للعمل سائقاً ومساعدا شخصياًلضابط كبير فى «الجيش الإسرائيلى»، العقيد «شماعيا بيكنيشتاين» أحد قادة«الهاجانا» قبل إعلان «إسرائيل».
ووفرت هذه الوظيفة لـ«يعقوبيان» الذى حظىبثقة رئيسه سريعا، الاطلاع على معلومات سرية، وحساسة للغاية، ساعدتالقاهرة كثيرا فى فهم طبيعة العمل والتسليح فى الجيش الإسرائيلى. تمكن منتصوير بن جوريون، وهو يتسلم بنفسه طائرات الميراج الفرنسية فى مطار عسكرىسرى بتل أبيب. وكان طرفا ثالثا فى اللقاءات التى يعقدها العميد بيكنيشتاينمع وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان.
وكان الحظ حليفا ليعقوبيان، عندما حصلعلى مصدر جديد للمعلومات، بعد التحاق صديقته بالجيش، وكانت ثرثارة تزورهدائما فى حجرته. وتبدأ فى حديث لا يتوقف عن وحدتها العسكرية بسلاحالمدفعية، وكل ما دار فيها من لقاءات تحضرها بسبب عملها فى مكتب قائدالوحدة. وبعد عام كامل من تدفق المعلومات بدأ النهر ينضب شيئا فشيئا،العقيد «بيكنيشتاين» سيحال للتقاعد قريبا، و«ياعيل» الثرثارة على وشكإنهاء خدمتها العسكرية. وصدر القرار من القاهرة، يُلزم يعقوبيان بإنهاءمهمته فى الجيش، والاستعداد لمهام أخرى داخل المجتمع الإسرائيلى.
التحق «يعقوبيان» بوظيفة مصور فى أستديو«مونى».. أكبر أستديوهات حيفا. وواصل هوايته فى التصوير وكان يتباهى بأنكاميراته تلتقط الصور من مسافات بعيدة. وتطورت وسائل الاتصال بينه وبينالمخابرات المصرية فى هذه الفترة، كان يغلق على نفسه باب حجرته، ويديرإبرة الراديو على محطة «صوت العرب «ليلتقط التعليمات التى ترسلها قيادتهعبر البث الإذاعى، ونصوص متفق عليها فى نشرات الأخبار.
لكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهىالسفن. ففى الـ 19 ديسمبر عام 1963، طرق رجال الشرطة والشاباك باب منزل«كاوتشوك» فى عسقلان، فتح الباب بنفسه.. دفعوه فى صدره بقوة.. اندفعواداخل الحجرة.. اعتقلوه.. صادروا حقائبه ودولابه الصغير، وكراسة صغيرةمشفرة، وجهاز استقبال مخبأ داخل راديو ترانزستور.
أصيب «يعقوبيان» بدهشة كبيرة، الرجل لميخطئ خطأ واحدا، لكنه حظه العثر. «إسرائيل» فى ذلك الوقت كانت أسيرةالهواجس الأمنية، يحكمها رجال المخابرات.. ضباط الشاباك والموساد برئاسة«إيسار هارئيل» يتجسسون على المواطنين، يرصدون حتى المزاج السياسى لسكان«الكيبوتسات». وفى ظل هذه الظروف، صدر قرار بمراقبة البريد الصادر من«إسرائيل». ولم تكن المهمة صعبة.. سكان «إسرائيل» لم يتجاوز عددهم فى ذلكالوقت ثلاثة ملايين نسمة، وكانت الرسائل المبعوثة للخارج يتم جمعها فىمكتب البريد المركزى، يفضها عمال البريد. ويؤشرون على ما يثير ارتيابهمللشاباك.
وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك فرصةللنجاة، لقد أرسل كاوتشوك أكثر من رسالة إلى الخارج خلال الفترة من أبريل1962 إلى نوفمبر 1963، وأول رسالة اعترضها الشاباك كانت تشمل تقريراً عنأحد المعسكرات فى منطقة الجنوب، وصوراً للمعسكر من الداخل، وتمكن الشاباكمن فك رموزها، وبدأت عملية التتبع، ومن رسالة إلى أخرى اتضح أن العميلالمصرى يسكن فى المنطقة الجنوبية، وشيئاً فشيئاً أدرك الشاباك أن العميليسكن فى عسقلان، التى تمت مراقبتها جيداً وجمع معلومات عن سكان المدينة،إلا أن رجال الأمن لم يتوصلوا لأى معلومات، وفى أحد الأيام، وبالصدفةاصطدم شرطى من أصل مصرى بمهاجر جديد يدعى «إسحق كاوتشوك»، ولم يرتاح له،فأبلغ قائد الشرطة المحلية، الذى أبلغ الشاباك، والتقت المعلومات، وتمإلقاء القبض على كاوتشوك.
واتضح فى التحقيقات أنه كان يتلقىالتعليمات عبر جهاز موجود فى غرفته، وأنه زار إيطاليا مرتين التقى خلالهمامسؤولى البعثة الاستخبارية المصرية فى أوروبا.
وتمت محاكمة كاوتشوك فى المحكمة المركزيةبالقدس. وأشار النائب العام الإسرائيلى «جدعون حاسيد»، خلال المحاكمة، إلىالأسلوب المتطور الذى اتبعه المصريون فى تشغيل وزرع «يعقوبيان»، وأضاف أنالأضرار التى ألحقها «يعقوبيان» بإسرائيل تنطوى على خطورة بالغة جداً،ولذلك طالب بتوقيع أقصى عقوبة ممكنة.
وبالفعل قبل القضاة المرافعة، وحكمواعليه بالسجن ثمانية عشر عاماً، وفى عام 1965 قدّم يعقوبيان طلباً لاستئنافقضيته، لكن طلبه قوبل بالرفض بضغط من رئيسى الموساد والشاباك، وتم ردالاستئناف من قبل رئيس المحكمة القاضى «يتسحاق أولشين» الذى قال: «لقد تمزرع كاوتشوك من قبل دولة عدوة بعد تخطيط مسبق، وتم تدريبه على تنفيذ أعمالالتجسس داخل (إسرائيل) وعمل فى (إسرائيل) لمدة عامين مدعياً أنه يهودى،وتسلل إلى البلاد عبر الخداع والخدمة فى المؤسسات العسكرية، وقدم معلوماتعبر الرسائل السرية التى أرسلها للمخابرات المصرية، واعترف لاحقاًبجرائمه». لذلك رفضت المحكمة طلب الاستئناف الذى قدمه.
لكن يعقوبيان لم يبقَ فى السجن طويلاً،ففى التاسع والعشرين من مارس 1966 وخلال ساعات الصباح الباكر تم إخراجه منسجن الرملة المركزى ونقل إلى حاجز إيريز عند حدود قطاع غزة، وتم تسليمهللسلطات المصرية فى الساعة التاسعة صباحاً تحت إشراف رجال الأمم المتحدة،وبصحبته «حسين حسن»، و«مسعد خميس، فدائيان فلسطينيان اعتقلا، وهما فىطريقهما لتنفيذ مهمة، وفى المقابل تسلمت «إسرائيل» ثلاثة من اليهوداجتازوا الحدود المصرية عن طريق الخطأ والثلاثة هم تجار الخضروات: «عوديدمئير»، و«دافيد حانوكا» وابنه «شموئيل» اجتازوا الحدود عام 1965 لشراءالبطيخ من غزة، واعتقلتهم دورية تابعة للأمم المتحدة، وسلمتهم للجنودالمصريين، واستغلت مصر الفرصة وطالبت إسرائيل بالإفراج عن «كاوتشوك»والفدائيين الفلسطينيين، ورفضت «إسرائيل» فى البداية الصفقة، بحجة أنالمصريين يطالبون بالإفراج عن جاسوس وفدائيين كانا ينويان القيام بأعمالتخريبية ضد أهداف «إسرائيلية»، مقابل ثلاثة مدنيين اجتازوا الحدود بطريقالخطأ، لكن فى نهاية الأمر نجح العناد المصرى واستجابت «إسرائيل».
لقد ظلت عملية «كابورك يعقوبيان» بمثابةالصفعة التى تلقاها «الجيش الإسرائيلى» على وجهه، وتركت أثراً لا يمحى،حتى بعد توقيع «اتفاقية السلام»، تدفق الصحفيون «الإسرائيليون» على مصر،وفتشوا القاهرة شارعا شارعا، بحثا عن «يعقوبيان» لإجراء مقابلات صحفية أوتليفزيونية، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، فقد كان «يعقوبيان» يعيش فىهدوء وأمان بعيدا عن متناول الصحفيين الإسرائيليين، وأجهزة الأمنالإسرائيلية التى ظلت سنوات تضعه على قائمة أعداء إسرائيل، المرشحينللتصفية الجسدية فى أسرع وقت ممكن.
Prev Next Pause Play
- 1
فىالبدء كان «رأفت الهجان»، استقر فى «إسرائيل» بهوية جديدة، واسم جديد «جاكبيتون»، وصار منزله قِبلة لقادة «الدولة» ونخبة تل أبيب. وكان من الطبيعىأن تحاول المخابرات المصرية إعادة إنتاج هذا النجاح العريض. فتل أبيبمدينة تعشق «المهاجرين الجدد»، والهجان حقق نجاحا فاق كل التوقعات. لكنعملية اليوم التالى كانت أكثر طموحا، لذلك تطلبت شابا مصريا ذكيا..ومغامرا، لا يقبل فقط بفكرة زرعه فى إسرائيل، ولكن يقبل بتجربة التجنيد فى«الجيش الإسرائيلى»، على أن يضع نصب عينيه الانضمام لوحدة القوات الخاصة،أو سلاح الاستخبارات الحربية. ساعتها ستكون ضربة فى الصميم.
لم يكن المطلوب أن يقضى جل عمره داخل«الجيش».. العملية محدودة الوقت.. والأهداف. مدة التجنيد ثلاث سنوات. يكفىسنة واحدة، ينخرط فيها الشاب المصرى فى تكوينات جيش الاحتلال.. يخوضالتجربة بنفسه، يضع قدميه على أول الطريق، مكتب التجنيد (ليشكات جِيِّوس-بالعبرية)، ثم وحدة المستجدين، يتلمس مشاعر الجنود عن قرب، يتعامل معالدبابات ومكوناتها بنفسه، يلقى بجسده داخل السيارات المدرعة. يسجل بعدسةالكاميرا التى لا تفارقه كل ما يراه.. وهكذا كان رأفت الهجان فى البدء.و«كابورك يعقوبيان» فى اليوم التالى حين صعد على ظهر السفينة «يَمِيت»التى نقلته لـ«إسرائيل»، ليبدأ واحدة من أخطر عمليات المخابرات المصرية فىالعمق الإسرائيلى.
جاسوسنا فى «جيش الاحتلال الإسرائيلى»إسحق كاوتشوك، ولد فى مصر باسم «كابورك يعقوبيان»، مصرى أرمنى الأصل، ابنبلد، بمصطلحات أواخر الثلاثينيات، وأوائل الأربعينيات. حصل على الابتدائيةبتفوق، ثم البكالوريا.. وبات على أبواب الجامعة فى مجتمع «كوزموبوليتانى»يفيض بجاليات أجنبية تعشق مصر. فى عيد ميلاده العشرين، توفى والده، وتحملعبء إعالة أمه الفقيرة. قرر الشاب الوسيم «كابورك» تحويل هوايته إلى مهنةواحتراف. احتضن كاميرته وتجول فى الحدائق يلتقط الصور للعشاق، وأبناءالطبقة الوسطى. كان العمل شاقا، والرزق شحيحا، وكابورك يحب الحياة، ويقبلعلى ملذاتها.. خلب عقول من حوله بوسامته، ولغته العربية المكسرة. عانىماديا، فتورط فى عمليات نصب مخلوطة بخفة دم «المحتال الأرمنى». فجأة وجدنفسه يقضى عقوبة ثلاثة أشهر حبسا فى أحد السجون المصرية. لكن فى ديسمبر1959، بعد مُضى ثلاثين يوما فى السجن، طرق باب زنزانته الانفرادية رجلأربعينى.. يعرض عليه صفقة: «عفا الله عما سلف، ونؤمن مستقبلك، ومستقبلأسرتك مقابل العمل لصالح المخابرات العامة المصرية». وافق «يعقوبيان»فورا، وبلا تردد، فقد اشتاق للحرية.
كان «يعقوبيان» شخصا نموذجيا بالنسبة لأىضابط تشغيل يبحث عن عميل لزرعه فى «مجتمع هجرة». لديه موهبة طبيعية فىتعلم اللغات، قبل أن يتم الثانية والعشرين من عمره أتقن الإنجليزية،والفرنسية، والعربية، والإسبانية، والتركية. قصير القامة، (1.65 سم)،نحيف، عريض الوجه.. شعره بنى وعيناه صافيتان باللون نفسه. استغرق إعدادهعاما كاملا، فى منزل آمن بالقاهرة. دربه الخبراء على أساليب العمل السرى،والتخلص من المراقبة، واستعمال الحبر السرى، وتصغير الصور، وجمعالمعلومات، وتحليلها. لكن الجهد الأكبر تركز على تأهيله لتقمص شخصية يهودىمصرى، وما كان سهلا مع «رفعت الجمال» المصرى المسلم، كان مرهقا بالنسبةلـ«يعقوبيان» المصرى الأرمنى. فكان من الضرورى إخضاعه لعملية ختان، فى أحدمستشفيات القاهرة. فاليهود يختنون ذكورهم بعد مرور سبعة أيام على مولدهم..وهو طقس يحرصون على تنفيذه حتى لو وافق يوم السبت الذى يحظر على اليهودىالقيام بأى عمل فيه. فالختان فى اليهودية هو دليل الولاء لعقيدة «إسرائيل».
وقامت خطة زرع يعقوبيان فى إسرائيل علىفكرة السهل الممتنع، كان من المقرر أن يتقمص شخصية يهودى متدين حتى يكتسبثقة من سيحيطون به فى «إسرائيل» بسرعة، ويحظى باحترامهم. ولمعت فكرةتدريبه على يدى يهودى مصرى، لكن كيف تضمن المخابرات المصرية ولاء يهودىمصرى فى هذه الفترة التى نشطت فيها الحركة الصهيونية فى القاهرة!! وصارالحل الوحيد أن يتعلم «يعقوبيان» بنفسه كل ما يتصل باليهودية. يتردد أولاعلى المعبد اليهودى فى شارع عدلى «بوابة السماء». يلتقط العادات والتقاليدوالطقوس الدينية اليهودية، ويمارسها، يشارك فى الأعياد والصلوات، ويعيشنمط الحياة اليهودية 24 ساعة يوميا. ويقضى الليل فى قراءة كتب وصحف عن«إسرائيل». وفى تلك الأثناء كان الخبراء المصريون قد أوشكوا على الانتهاءمن إعداد الأوراق والوثائق اللازمة فى مهمته الجديدة.
طبقا للخطة الموضوعة، كان على «يعقوبيان»أن يقدم نفسه بوصفه ابنا لعائلة يهودية تركية لجأت إلى القاهرة مناليونان. كُتب فى أوراقه أنه من مواليد سالونيكا، عام 1935، ويدعى «إسحقكاوتشوك». مرت أسرته بظروف عصيبة فى موطنها الأصلى، بعد أن هجر الأب زوجتهوابنه، إلى مكان غير معلوم. فقررت الأم الهجرة بصحبة ابنها إلى مصر،وتوفيت، ودفنت فى مقابر اليهود بالبساتين. ولتأكيد القصة كان «المصوراتىيعقوبيان» يسحب من جيب سترته صورة قبر أمه ويبكى كثيرا متأثرا بلوعةالفراق، حتى يُبكى من حوله!! وزيادة فى الاطمئنان حمل «يعقوبيان» فى جيبسترته أوراق هوية صادرة عن الطائفة اليهودية بالقاهرة. زودته بها الوحدةالفنية التابعة للمخابرات، ورغم دقة التزييف وإتقانه، حمل «كاوتشوك» صورةضوئية للوثائق حتى يصبح كشف الأختام المزورة ضربا من المستحيلات.
وبعد مرور تسعة أشهر، وفى خريف 1960، حصل«إسحق كاوتشوك» على «شهادة لاجئ» من وكالة اللاجئين التابعة للأممالمتحدة. حملها، وتوجه إلى قنصلية البرازيل، طالباً تصريح هجرة. وكاناختيار المخابرات المصرية للبرازيل كـ«دولة معبر» فى منتهى الذكاء. بعد أنشددت الحكومة المصرية القيود على هجرة اليهود إلى أوروبا اعتبارا من1960،وبدت الهجرة من مصر إلى البرازيل مقنعة وأكثر منطقية. وفى مارس 1961 سافر«يعقوبيان» بحراً بهويته الجديدة من الإسكندرية إلى ميناء جنوا بإيطاليا،ثم صعد إلى السفينة الإسبانية (كافاسان روكى) المبحرة إلى البرازيل.
وعلى متن السفينة التقى «يعقوبيان» مع«إيلى أرجمان»، شاب «إسرائيلى»، فى الثلاثين من عمره، من كيبوتس «بارورحيال» غرب النقب. كان متجها برفقة زوجته وابنتيه إلى البرازيل فى زيارةعائلية. «أرجمان» شاب رومانسى، يعيش حياة جماعية فى «الكيبوتس»، وبرغمتفاخره بأنه علمانى، إلا أن بداخله يهوديا عميق التدين. انبهر فورابـ«إسحق كاوتشوك» الهارب من القاهرة.. وبدا له أن «كاوتشوك» تجسيد حىلخروج بنى إسرائيل من مصر فى العصور القديمة!! وأن بقاءه فى البرازيل هوفترة التيه التى يجب أن تنتهى بأسرع ما يمكن!! وزاد تعاطفه، عندما بدأ«يعقوبيان» يبكى اليتم، وأمه المتوفاة، وكونه «مقطوعا من شجرة»، تعرضللاضطهاد والتعذيب فى مصر.
وسرعان ما نشأت علاقة حميمة بين «اللاجئاليهودى» والأسرة «الإسرائيلية». لم يفترقوا طوال الرحلة التى امتدتأسبوعين فى عرض البحر، يأكلان معا، يشربان معا، يسهران. توطدت العلاقة،فمد «يعقوبيان» يده فى الحقيبة وأخرج ألبوم الصور، ليرى «أرجمان» صورةلقبر أمه. وانخرط الشاب «الإسرائيلى» فى بكاء شديد.. وهنا تأكد «كاوتشوك»أن هويته الجديدة وقصته المحبوكة تعملان كدقات ساعة سويسرية.. ولم يتبقسوى تحديد ساعة الصفر.
وبدأ «أرجمان» يعرض خدماته مخلصا، وأدرككاوتشوك أن لقاء الصدفة الذى جمعه مع «أرجمان» يبشّر بأن الحظ حليفه، وأنفرصه فى الوصول إلى «إسرائيل»، دون أن يشتبه به ضباط «الشاباك» جيدةللغاية.. لم يطلب «كاوتشوك» من عائلة «أرجمان» مرافقتهم إلى تل أبيب، بلأكد رغبته فى الاستقرار بأمريكا اللاتينية، وتوقع أن «أرجمان» سيدعوهللهجرة إن آجلا أم عاجلا، وصدق حدسه، لكن المفارقة أن الشاب «الإسرائيلى»انتهز فرصة احتفال اليهود على متن السفينة بالعيد الثالث عشر لقيام«إسرائيل»، وأخذ يلحّ على الجاسوس المصرى بانفعال وحماس شديد لكى يسافرمعه إلى «إسرائيل»، وظل «صاحبنا» يتمنّع، ويتهرب من الموافقة!!
فور الوصول إلى البرازيل ودعت أسرة«أرجمان» صديقها الجديد بانفعال بالغ. واستمرت اللقاءات بينهم طوالالشهرين اللذين مكثت فيهما عائلة «أرجمان» فى «ريو دى جانيرو». أخذ«أرجمان» يحكى للشاب اليهودى النازح من مصر، الذى أطلق عليه سيدنا موسى(موشيه ربينو) عن تاريخ الصهيونية.. والاستيطان اليهودى فى فلسطين..واحتياج «إسرائيل» لسواعد الشباب. وبين حكاية وأخرى يلمح له ويشجعه علىالهجرة. ثم عرض عليه تعريفه بمسؤولى الوكالة اليهودية، ليشرحوا له حقوقهكمواطن وفرص نجاحه كـ«مهاجر». تظاهر «يعقوبيان» بالتردد، حتى استجاب فىالنهاية تحت الضغط والإلحاح. وبعد شهرين فى البرازيل حانت ساعة الفراقالتى تذكرها «أرجمان» فى التحقيقات جيدا. «كانت لحظة صعبة للغاية، سيطرتعلى، وعلىّ أسرتى، مشاعر حزن عميق. جاء لتوديعنا فى الميناء، اشترى هدايالابنتى.. ولم نتركه حتى وعدنا بأنه سيحضر لـ«إسرائيل»، إن لم تكن هجرةدائمة، فعلى الأقل زيارة طويلة.
بعد سفر عائلة «أرجمان»، التقى«يعقوبيان» بسالم عزيز السعيد، الذى عرف فى «ريودى جانيرو» بأنه الملحقالتجارى المصرى، لكنه فى الحقيقة كان ضابط المخابرات بالسفارة. وبناء علىتعليماته انتقل «يعقوبيان» للإقامة فى «سان باولو»، وهناك قام بخطوة مهمة.حصل من السلطات المحلية على بطاقة برازيلية سليمة، تفيد خانة الديانة فيهابأنه «يهودى»، وبعد نجاحه عاد إلى العاصمة والتحق بالعمل فى استديو تصوير.
وفى نهاية 1961، توجه «كاوتشوك» إلىالوكالة اليهودية.. قدم طلب «هجرة».. لم تستغرق الإجراءات وقتا طويلا.وأبحر «كاوتشوك» من البرازيل إلى جنوا، حيث التقى مع ضابط تجنيده الذى وصلخصيصا من القاهرة، وحضر المقابلة سالم السعيد. لقّنوه التعليمات والأوامرالأخيرة.. وراجعوا معه الخطوات التى سيقوم بها فى «إسرائيل» لتثبيت وضعه.أكدوا عليه أن يعمل ببطء، وبالتدريج، وأن يندمج فى المجتمع أولا، ولا يبدأمهامه قبل تلقى الأوامر. كانت الخطة واضحة ومحكمة.. «يعقوبيان» سيصل إلى«إسرائيل» وهو فى سن التجنيد، سيتم ضمه «للجيش الإسرائيلى»، ولذلك كانتالتعليمات الأخيرة فى «جنوا» تؤكد أفضلية الانضمام للقوات الخاصة، أو شعبةالاستخبارات الحربية التى قد تفضله لأنه يجيد العربية، أو سلاح المدرعات.
منتصف ديسمبر 1961، بدأت السفينة«يَمِيت» تبحر من جنوا، إلى ميناء حيفا، وعلى متنها «إسحق كاوتشوك» البالغمن العمر 24 عاما، لكن أوراقه تفيد بأنه فى الـ 27. أنهى «يعقوبيان»إجراءات الخروج من الميناء سريعا، وبدأت رحلة البحث عن أقرب هاتف، اتصلبصديقه.. «إيلى أرجمان». كان اللقاء بينهما فى «الكيبوتس» (مستعمرةتعاونية) مشحونا بالعواطف، كأنهما صديقان منذ الطفولة. اقترح «أرجمان»استضافته فى «الكيبوتس». وألحّ عليه، إنك: وحيد، بلا أقارب، أو أصدقاءهنا، فوافق على العرض. وبناء على توصيات «أرجمان» رتبت له «الوكالةاليهودية» حجرة معيشة مشتركة، ومدرسة لتعلم العبرية، فى كيبوتس «دوروت»المجاور. لكن «كاوتشوك» لم يستمر طويلا، اشتكى من كونه لا يستطيع أن يناممع شخص لا يعرفه فى نفس الغرفة. طلب الانتقال إلى مقر سكن آخر لكن فى نفسالمنطقة.. وكان الهدف تنفيذ خطة المخابرات المصرية.. التى أكدت على أنيبقى بالقرب من قطاع غزة. حتى يتمكنوا من تخليصه فى أوقات الطوارئ. كما أنهذا القرب الجغرافى يسهل نقل الرسائل بسرعة كبيرة نسبياً، بعد أن تم تحديدنقاط الإرسال على الحدود بين «إسرائيل» والقطاع.
وهنا تدخل «إيلى أرجمان» مجددا، استخدمنفوذه لدى الوكالة حتى عثروا لـ«يعقوبيان» على مسكن ومدرسة فى كيبوتس«نجفا». ونجح «يعقوبيان» بدوره فى اكتساب ثقة كل من حوله، حتى إن سكرتيرالكيبوتس «تسيفى لوفلينير» يقول إنه: «كان يعمل بإخلاص، وكان يدرس العبريةفى الصباح الباكر، ثم يقضى بقية النهار فى العمل بالمزرعة الجماعية». وصارمحبوبا من كل زملائه فى المستعمرة، الذين أشفقوا عليه بعد أن انتشرت قصةيتمه، ووفاة أمه. وساعده فى الاندماج إتقانه خمس لغات حية، زادوا بعدتكليفه بالمهمة إلى سبع حيث أتقن البرتغالية فى البرازيل، والعبرية تعلمهافى مصر، لكنه لم يعترف بذلك أبدا. «يهوديت هارئيل» مدرسته فى معهد تعليمالعبرية كانت تظنه عازفا عن التعليم، وكل همه تصوير بنات الكيبوتسبكاميرته. وكانت كاميرا متطورة للغاية، بمعايير هذه الفترة. حملمستلزماتها، وعدساتها، دائما فى حقيبته. وإلى جوارها صور مهزوزة، تخلقانطباعا بأنه مصور هاوٍ، وليس مصورا محترفا.
فى «الكيبوتس» الجديد، وقعت فى غرامهفتاة فى الـ 17 من عمرها، مات عنها أبوها فى إحدى هجمات الجيش المصرى علىالقوات الصهيونية عام 48. واعترض أفراد عائلتها على هذه العلاقة، حتىعندما أعلنا رغبتهما فى الاقتران. وفى عام 1962، فاتحه المسؤولون فى«الكيبوتس» بخصوص مستقبله، فى البداية أخبرهم بأنه يفكر فى عضويةالكيبوتس، ثم أوضح أنه ينوى فتح أستديو، وفى النهاية حصد إعجابهم بقرارالتجنيد فى صفوف الجيش.
قبل الانخراط فى الجيش، توجه «كاوتشوك»إلى الوكالة اليهودية وطلب معونة مالية للحصول على سكن، فقدمت له الوكالة30 ليرة، ووجهته لشركة «عميدار» الإسكان، حيث وقع عقد إيجار شقة مشتركة معمهاجر يهودى من المغرب. وحصل الاثنان على الشقة رقم 1/689 بمدينة عسقلان،التى لا تبعد عن الحدود مع غزة سوى سبعة كيلومترات، وتفصلها عن القطاع بعضالحقول والتلال الرملية. فى نوفمبر 1962، تجند «كاوتشوك»، واقترحوا عليهفى البداية الانضمام لدورة تأهيل الضباط.
لكن وفقا لنصيحة المخابرات، طلبالانضمام لسلاح المدرعات ولكن لحسن الحظ أصبح عضواً فى سلاح آخر، أنهىدورة التدريب الخاصة بسلاح النقل فى (بيت نبالا) بالقرب من مطار اللد،وهناك واصل هواية التصوير، لم تفارقه الكاميرا. صور الجنود.. الأسلحة..الدبابات، الطائرات، الصواريخ، السيارات المدرعة، أجهزة الرادار، حتىالمبانى والمعدات. كان يصور زملاءه للذكرى، وفى الخلفية آليات الجيشالإسرائيلى، ومدافعه. وفى نهاية التدريب حدث ما لم يكن متوقعا لدى أكثرالمتفائلين فى القاهرة. طُلب «يعقوبيان» للعمل سائقاً ومساعدا شخصياًلضابط كبير فى «الجيش الإسرائيلى»، العقيد «شماعيا بيكنيشتاين» أحد قادة«الهاجانا» قبل إعلان «إسرائيل».
ووفرت هذه الوظيفة لـ«يعقوبيان» الذى حظىبثقة رئيسه سريعا، الاطلاع على معلومات سرية، وحساسة للغاية، ساعدتالقاهرة كثيرا فى فهم طبيعة العمل والتسليح فى الجيش الإسرائيلى. تمكن منتصوير بن جوريون، وهو يتسلم بنفسه طائرات الميراج الفرنسية فى مطار عسكرىسرى بتل أبيب. وكان طرفا ثالثا فى اللقاءات التى يعقدها العميد بيكنيشتاينمع وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان.
وكان الحظ حليفا ليعقوبيان، عندما حصلعلى مصدر جديد للمعلومات، بعد التحاق صديقته بالجيش، وكانت ثرثارة تزورهدائما فى حجرته. وتبدأ فى حديث لا يتوقف عن وحدتها العسكرية بسلاحالمدفعية، وكل ما دار فيها من لقاءات تحضرها بسبب عملها فى مكتب قائدالوحدة. وبعد عام كامل من تدفق المعلومات بدأ النهر ينضب شيئا فشيئا،العقيد «بيكنيشتاين» سيحال للتقاعد قريبا، و«ياعيل» الثرثارة على وشكإنهاء خدمتها العسكرية. وصدر القرار من القاهرة، يُلزم يعقوبيان بإنهاءمهمته فى الجيش، والاستعداد لمهام أخرى داخل المجتمع الإسرائيلى.
التحق «يعقوبيان» بوظيفة مصور فى أستديو«مونى».. أكبر أستديوهات حيفا. وواصل هوايته فى التصوير وكان يتباهى بأنكاميراته تلتقط الصور من مسافات بعيدة. وتطورت وسائل الاتصال بينه وبينالمخابرات المصرية فى هذه الفترة، كان يغلق على نفسه باب حجرته، ويديرإبرة الراديو على محطة «صوت العرب «ليلتقط التعليمات التى ترسلها قيادتهعبر البث الإذاعى، ونصوص متفق عليها فى نشرات الأخبار.
لكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهىالسفن. ففى الـ 19 ديسمبر عام 1963، طرق رجال الشرطة والشاباك باب منزل«كاوتشوك» فى عسقلان، فتح الباب بنفسه.. دفعوه فى صدره بقوة.. اندفعواداخل الحجرة.. اعتقلوه.. صادروا حقائبه ودولابه الصغير، وكراسة صغيرةمشفرة، وجهاز استقبال مخبأ داخل راديو ترانزستور.
أصيب «يعقوبيان» بدهشة كبيرة، الرجل لميخطئ خطأ واحدا، لكنه حظه العثر. «إسرائيل» فى ذلك الوقت كانت أسيرةالهواجس الأمنية، يحكمها رجال المخابرات.. ضباط الشاباك والموساد برئاسة«إيسار هارئيل» يتجسسون على المواطنين، يرصدون حتى المزاج السياسى لسكان«الكيبوتسات». وفى ظل هذه الظروف، صدر قرار بمراقبة البريد الصادر من«إسرائيل». ولم تكن المهمة صعبة.. سكان «إسرائيل» لم يتجاوز عددهم فى ذلكالوقت ثلاثة ملايين نسمة، وكانت الرسائل المبعوثة للخارج يتم جمعها فىمكتب البريد المركزى، يفضها عمال البريد. ويؤشرون على ما يثير ارتيابهمللشاباك.
وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك فرصةللنجاة، لقد أرسل كاوتشوك أكثر من رسالة إلى الخارج خلال الفترة من أبريل1962 إلى نوفمبر 1963، وأول رسالة اعترضها الشاباك كانت تشمل تقريراً عنأحد المعسكرات فى منطقة الجنوب، وصوراً للمعسكر من الداخل، وتمكن الشاباكمن فك رموزها، وبدأت عملية التتبع، ومن رسالة إلى أخرى اتضح أن العميلالمصرى يسكن فى المنطقة الجنوبية، وشيئاً فشيئاً أدرك الشاباك أن العميليسكن فى عسقلان، التى تمت مراقبتها جيداً وجمع معلومات عن سكان المدينة،إلا أن رجال الأمن لم يتوصلوا لأى معلومات، وفى أحد الأيام، وبالصدفةاصطدم شرطى من أصل مصرى بمهاجر جديد يدعى «إسحق كاوتشوك»، ولم يرتاح له،فأبلغ قائد الشرطة المحلية، الذى أبلغ الشاباك، والتقت المعلومات، وتمإلقاء القبض على كاوتشوك.
واتضح فى التحقيقات أنه كان يتلقىالتعليمات عبر جهاز موجود فى غرفته، وأنه زار إيطاليا مرتين التقى خلالهمامسؤولى البعثة الاستخبارية المصرية فى أوروبا.
وتمت محاكمة كاوتشوك فى المحكمة المركزيةبالقدس. وأشار النائب العام الإسرائيلى «جدعون حاسيد»، خلال المحاكمة، إلىالأسلوب المتطور الذى اتبعه المصريون فى تشغيل وزرع «يعقوبيان»، وأضاف أنالأضرار التى ألحقها «يعقوبيان» بإسرائيل تنطوى على خطورة بالغة جداً،ولذلك طالب بتوقيع أقصى عقوبة ممكنة.
وبالفعل قبل القضاة المرافعة، وحكمواعليه بالسجن ثمانية عشر عاماً، وفى عام 1965 قدّم يعقوبيان طلباً لاستئنافقضيته، لكن طلبه قوبل بالرفض بضغط من رئيسى الموساد والشاباك، وتم ردالاستئناف من قبل رئيس المحكمة القاضى «يتسحاق أولشين» الذى قال: «لقد تمزرع كاوتشوك من قبل دولة عدوة بعد تخطيط مسبق، وتم تدريبه على تنفيذ أعمالالتجسس داخل (إسرائيل) وعمل فى (إسرائيل) لمدة عامين مدعياً أنه يهودى،وتسلل إلى البلاد عبر الخداع والخدمة فى المؤسسات العسكرية، وقدم معلوماتعبر الرسائل السرية التى أرسلها للمخابرات المصرية، واعترف لاحقاًبجرائمه». لذلك رفضت المحكمة طلب الاستئناف الذى قدمه.
لكن يعقوبيان لم يبقَ فى السجن طويلاً،ففى التاسع والعشرين من مارس 1966 وخلال ساعات الصباح الباكر تم إخراجه منسجن الرملة المركزى ونقل إلى حاجز إيريز عند حدود قطاع غزة، وتم تسليمهللسلطات المصرية فى الساعة التاسعة صباحاً تحت إشراف رجال الأمم المتحدة،وبصحبته «حسين حسن»، و«مسعد خميس، فدائيان فلسطينيان اعتقلا، وهما فىطريقهما لتنفيذ مهمة، وفى المقابل تسلمت «إسرائيل» ثلاثة من اليهوداجتازوا الحدود المصرية عن طريق الخطأ والثلاثة هم تجار الخضروات: «عوديدمئير»، و«دافيد حانوكا» وابنه «شموئيل» اجتازوا الحدود عام 1965 لشراءالبطيخ من غزة، واعتقلتهم دورية تابعة للأمم المتحدة، وسلمتهم للجنودالمصريين، واستغلت مصر الفرصة وطالبت إسرائيل بالإفراج عن «كاوتشوك»والفدائيين الفلسطينيين، ورفضت «إسرائيل» فى البداية الصفقة، بحجة أنالمصريين يطالبون بالإفراج عن جاسوس وفدائيين كانا ينويان القيام بأعمالتخريبية ضد أهداف «إسرائيلية»، مقابل ثلاثة مدنيين اجتازوا الحدود بطريقالخطأ، لكن فى نهاية الأمر نجح العناد المصرى واستجابت «إسرائيل».
لقد ظلت عملية «كابورك يعقوبيان» بمثابةالصفعة التى تلقاها «الجيش الإسرائيلى» على وجهه، وتركت أثراً لا يمحى،حتى بعد توقيع «اتفاقية السلام»، تدفق الصحفيون «الإسرائيليون» على مصر،وفتشوا القاهرة شارعا شارعا، بحثا عن «يعقوبيان» لإجراء مقابلات صحفية أوتليفزيونية، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، فقد كان «يعقوبيان» يعيش فىهدوء وأمان بعيدا عن متناول الصحفيين الإسرائيليين، وأجهزة الأمنالإسرائيلية التى ظلت سنوات تضعه على قائمة أعداء إسرائيل، المرشحينللتصفية الجسدية فى أسرع وقت ممكن.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى