قصيدة ظلام ( إبراهيم ناجي )
الخميس نوفمبر 04, 2010 2:31 am
ظلام | |
لا تقلْ لي ذاك نجمٌ قد خبا | يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا |
هذه الأنوارُ ما أضيعها | صِرْن في جنبي جراحاً وظبى |
*** | *** |
فإذا حبُّكِ يطغى مُزبداً | كدفوق السل طُغيان الجنونْ |
ما على الهجر معينٌُ أبداً | وعلى النسيان لا شيء يُعينْ |
ذلك الحب الذي فُزت بهِ | لا أُبالي فيه ألوان الملامَهْ |
إنه مزَّق قلبي قسوةً | وسقاني المرَّ من كاس الندامَهْ |
*** | *** |
ذلك الحب الذي صوَّر من | مُجدِب القفرِ لعينيَّ ربيعا |
وجلا لي الكونَ في أعماقه | أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا |
قدرٌ نكَّس مني هامتي | آذن الدهر ببَينٍ وأِذنتِ |
لهفَ قلبي لهفة لا تنقضي | كنت دنياي جميعاً كيف كنتِ؟ |
كنتِ في برجٍ من النور على | قمة شاهقة تغزو السحابا |
فَرِحٌ بالنورِ والنارِ معاً | طار للقمَّةِ محموماً وآبا |
*** | *** |
وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به | كلَّ أعمارِ الورى مجتمعات |
*** | *** |
واغنمي نفح الصّبا وانتقلي | في الصِّبا الممراحِ من غصنٍ لغصن |
لن يُحبّوكِ كحبي! لن ترَيْ | ضاحكاً مثلي ولا حزناً كحزني! |
زعموا أنيَ قد خلّدْتُها | بأغانيَّ وألحاني العِذاب |
لم أزل أقرأُ حتى سجدوا | وجعلتُ الخُلدَ عنوانَ الكتاب |
يا ابنة الأصدافِ والبحرُ أبي | قبل أن يُلقي بي الموج هنا |
إن هجَرْنا القاعَ والليلَ إلى | قممٍ شُمٍّ وعشنا في السَّنا |
*** | *** |
اسألي عن مقلة مخلصة | خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ |
بعدما غوَّر نجمي ودليلي | ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟ |
الغريبان عليها التقيا | يستعينان على الدربِ الطويلِ |
*** | *** |
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا | ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟ |
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ | وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ |
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً | وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ |
*** | *** |
أدَّعي أني مقيم وغداً | ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ |
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها | رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ! |
يا دياراً يومها من سُحُبٍ | وغيوم وضباب أُفق غدْ |
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا | من هشيم كل ما كنت أعِدْ! |
قُم بنا والكون جهم كالدجى | نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا |
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن | في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا |
*** | *** |
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ | آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ |
*** | *** |
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي | خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه! |
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها | لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه |
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن | ذلك الساكنِ روحي والبدنْ |
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ | وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ |
أنا لا أدري متى كان ولا | أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ |
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ | متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ |
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ | مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ |
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ | واحدٌ حتى الردى متحدان! |
*** | *** |
عاصفٌ عاتٍ تمنيت له | هدأةً أين له ما تطلبينْ |
اسألي عن مقلة مخلصة | خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ |
سهرتْ ترعاك مهما لقيتْ | في سبيل العهد والودِّ المكينْ |
أقسمتْ لا تسأل النومَ ولا | تطلبُ الرحمةَ منه بعض حينْ! |
بعدما غوَّر نجمي ودليلي | ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟ |
في طريق الشوكِ والصخرِ وفي | شُعَب الإرهاقِ والكدِّ الوبيلِ |
الغريبان عليها التقيا | يستعينان على الدربِ الطويلِ |
ما انتفاعي بحياتي بعدما | ساقكِ التَّيَّارُ في غيرِ سبيلي؟ |
*** | *** |
يا لجهل اثنين أقدارهما | آه يا ليتهما قد عَرَفا! |
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا | ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟ |
ما الذي نصنع بالعيش إذا | ما السبيلان عليه اختلفا؟ |
ما الذي نصنع بالعيش إذا | صار تذكاراً فأمسى أسفا؟ |
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ | وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ |
عندما يكشِف بؤسٌ وجههُ | سافِرَ اللعنةِ مفقودَ الخلاقِ |
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً | وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ |
يا فؤادي انظرْ وفكرْ وأفقْ | أيُّ قيدٍ لكَ بالأحبابِ باقِ؟ |
*** | *** |
كلُّ جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخرْ | وخبيءُ السر للعينين ظاهرْ |
أدَّعي أني مقيم وغداً | ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ |
عندما صافحتُ خانتني يدي | ووشى خافٍ من الأشجان سافرْ |
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها | رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ! |
*** | *** |
يا دياراً يومها من سُحُبٍ | وغيوم وضباب أُفق غدْ |
كل نبت عبقريٍّ أطْلعتْ | جعلت منه طعاماً للحسَدْ |
أَخْلَفَ الميثاقُ من كان بها | كل آمالي فلم يبقَ أحدْ |
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا | من هشيم كل ما كنت أعِدْ! |
*** | *** |
قُم بنا والكون جهم كالدجى | نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا |
وانجُ منه ببقايا رمَقٍ | أو حطام وقليلٌ مَنْ نجا |
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن | في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا |
واسألِ الرحمنَ أن يُصْلحَ عهداً | كسيحاً وزماناً أعرجا |
*** | *** |
عشتُ وامتدَّتْ حياتي لأرى | في الثرى من كان قبلاً في القممْ |
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ | آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ |
مَن يكنْ عَضَّ بناناً نادماً | فأنا قطَّعتُ إبهامَ الندَم |
وإذا انحطَّ زمانٌ لم تجدْ | عالياً ذا رفعةٍ إلا الألمْ! |
*** | *** |
ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ | وخيالٌ تافهٌ هذي الحياهْ |
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي | خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه! |
ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى | أن غدا أحقرها مال وجاه |
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها | لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه |
*** | *** |
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن | ذلك الساكنِ روحي والبدنْ |
من لقلبٍ مستطار اللَّبّ مَن | كلما عاوده التذكارُ جُنّ |
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ | وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ |
وربيعُ دائمُ الخضرةِ في | روضةِ النفسِ وطيرٌ وفننْ |
قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي | وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ |
أنا لا أدري متى كان ولا | أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ |
حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي | أسمرُ النورِ رفيعُ الخُيَلاءِ |
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ | متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ |
هو في الأفقِ بعيدٌ وهو دانِ | هو لي نفسي وروحي وكياني |
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ | مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ |
هو شطْرُ النّفسِ لا توأمُها | هو منها هو فيها كل آنِ |
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ | واحدٌ حتى الردى متحدان! |
|
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى